نسمة حياة

بسم الله الرحمن الرحيم

كنت أظن أني وصلت لمرحلة الاستغناء والاكتفاء

الاستغناء “الروحي” عن البشر – كلماتهم، لطفهم، همساتهم، إعجابهم، حنانهم، حبهم

والاكتفاء بنصيبي الذي نلته من تلك “الهدايا الروحية” فيما مضى من حياتي ليبقى ذكرى أعيش عليها ما بقي من هذه الحياة

لكن يبدو أن الإنسان لا ولن يصل لهكذا مرحلة أبدا ما دام فيه قلب ينبض وروح تسري في الجسد – حتى وإن توهم عقله غير ذلك

اليوم وصلني تنبيه على حسابي في “الفيسبوك” أن إحدى صديقاتي ذكرت اسمي في تعليق على منشور

يقول المنشور : “صديقات للأبد ولن يفرقنا إلا الموت”

قد يبدو الأمر عادي، وربما معتاد عند البعض، لكنه ليس كذلك بالنسبة لي – والسطور الأولى من هذه الخاطرة تشرح الحال وتغني عن السؤال

ردة فعلي الأولى عندما قرأت اسمي كانت فرحة “طبيعية” كنت قد نسيتها منذ زمن – أو هكذا خيل إلي

ثم أرسلت ردًا “طبيعيا” ولو كنت أجيد ما هو أفضل من “الطبيعي” لما بخلتُ به – لكنه حكم العادة، أو ربما عدم الاعتياد

بعدها تبادر إلى ذهني عديد الأسئلة أولها : لماذا أنا؟

صديقتي تلك لها محبات وصديقات كثر، لستُ أكثرهن تواصلًا معها ولا توددًا إليها ولا نفعًا لها ولا حتى قربًا منها – بكل ما تعنيه كلمة “قرب” من معاني مادية ومعنوية – فلماذا أنا إذًا؟

لعلني فعلت أو قلت شيئًا نسيتُه ولم تنساه

أو لعلها أحست بحالة “الجمود” التي أصابتني فأرادت أن ترمي حجرًا في “مياه روحي” الراكدة

أيًّا كانت الأسباب فهي مجرد أسباب تجيء وتذهب، ويبقى المسبب لكل شيء يكفيني ويغنيني بجميل فضله وكريم عطاياه

ويرسل لي رسائل – على ألسنة البشر وبأيديهم – تذكّرني أن حياتي مازال فيها “حياة”.

لـــ حـــ ظـــ ا ت ( 4 )

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

*****

بالسلام نلتقيهم

وبالسلام نودعهم على أمل اللقاء بهم

*****

وتمضي الأيام

*****

شروق فغروب يليه شروق فغروب ثم شروق فغروب

وتمضي أسابيع وشهور وربما سنوات

فلا لقاؤهم تحقق
ولا عِلْم ولا خبَر عنهم مُوَثَّق

*****

ببطء شديد تتحرك عقارب الساعة وكأنها لا تتحرك

نهارنا لا طعم له ولا لون

وليلنا صراع بين أمل يحتضر و أفكار سوداء تهمس في آذاننا أن ” لا لقاء بعد اليوم “

*****

وحين يشتد بنا الشوق نُعلّل أنفسنا بذكراهم :
هنا أكلنا معاً
هنا تجاذبنا أطراف الحديث
هنا ضحكنا
هنا بكينا
وهناك كان ملعبنا ونحن صغار

*****

لكن الذكرى سرعان ما تستحيل إلى دموع
لا تزيد قلوبنا إلا ألماً فوق الألم و حُرقة ما بعدها حُرقة

*****

وتمر بنا لحظات ما أبطأها وما أثقلها

ولحظة بلحظة تتقطع خيوط الرجاء وتُغلق أبواب الأمل

ولا يبقى منا سوى أجساد هزيلة تعشش فيها عناكب اليأس ، وتنسج حولها خيوط الهواجس والوساوس

*****

لكن أفئدةً حباها الله نعمة الإسلام لابد لها من لحظة نور مهما طال أمد الظلام

نور يشق طريقه بين أضلعنا التي كاد ألم الفراق يكسرها

وصوت يخرج من حناجرنا التي بحّت من كثرة البكاء

صوت يمسك بتلابيبنا ويجتذبنا إليه بقوة

يهزنا ويهزنا

ينادينا ويصرخ فينا :

أما قرأتم قول الحق : ( قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ )

وقوله :  ( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )

أم هل تُراكم نسيتم وعده :  ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا )

وأين ذهبتم بوصية نبينا حين يشتد الخطب ويحين الكرب :  « لا إِلَه إِلاَّ اللَّه العظِيمُ الحلِيمُ ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ ، وربُّ الأَرْض ، ورَبُّ العرشِ الكريمِ »

*****

يسود الصمت ويغيب الصوت

لكن صداه باقٍ يتردد في قلوبنايُسلّينا ، يُصبّرنا

وتترقرق العبرات

وتمضي بنا اللحظات

.

.

.

.

صرخة الميلاد

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الزمان : القرن الحادي والعشرون

المكان : إحدى المستشفيات في بقعة على كوكب الأرض

وقع أقدام تتسارع جيئةً وذهاباً أمام قسم الولادة

وصمت يخيم على المكان لا يقطعه إلا صرخة مدوية تنطلق من إحدى الغرف معلنة عن ميلاد طفل صغير من بني البشر

فرحة غامرة تعلو محيا الأب وابتسامة راحة بعد ألم ترتسم على وجه الأم

تنقضي الساعات و تعود الأسرة الصغيرة إلى البيت

يحمل الأب ابنه بين ذراعيه وكل أمنيته أن يراه رجلاً يرث اسمه وعمله من بعده

أما الأم فغاية مناها أن تراه عريساً وأن تمتع ناظريها برؤية أولاده الذين هم أحفادها

*****

تمر الأيام ويكبر الرضيع وتتفتح عيونه على الدنيا ويمتلئ قلبه بالأمنيات

تارةً يقول أريد أن أصبح طبيباً

وأخرى يتخيل نفسه داعية من الدعاة

وثالثة يحلم أن يصبح عالماً يملأ صيته الدنيا

أما ما يطبق على أرض الواقع هو ما رسمه الأب والأم من أحلام متواضعة

وتمضي السنوات تلو السنوات

سنوات من الدراسة العادية

تنتهي بوظيفة عادية

وتتلاشى الأحلام

وتتبخر الأمنيات

و يصبح طفل الأمس المفعم بالحيوية مجرد رجلاً عادياً يتزوج وينجب مثل باقي البشر

*****

وها هو الآن يقف على أعتاب سن الأربعين يقلب دفاتر الماضي ويستعيد ذكريات الطفولة المليئة بالأحلام التي لم يبق منها إلا الذكرى

ذكرى يتجرع مرارتها كلما نظر إلى حاله اليوم وقد أصبح مجرد نسخة وصورة عن أبيه

صورة رسمها الأب والأم وجسدتها الحياة العادية التي عاشها الابن

*****

قد يظن من يمر بنفس هذه الظروف أن عقارب الزمن توقفت

وتصل به الحال إلى تمني الموت وانتظاره  بفارغ الصبر

صحيح أنه لا يمكن أن يعيد الزمن إلى الوراء ليحقق ما كان يحلم به

لكن صرخة الميلاد يمكن أن تتكرر

صرخة ليست إعلاناً بقدوم مولود إلى الدنيا

لكنها صرخة في وجه اليأس

صرخة في وجه الإحباط

صرخة في وجه الكسل

صرخة في وجه الفشل

*****

فيا قارئ الكلمات إن كان قد تقدم بك العمر وتسربت من بين يديك السنوات دون أن تحقق شيئاً يذكر ، لا تيأس فباب الأمل مفتوح

وإن كان الوقت قد فات على تحقيق حلمك ، فكن معيناً لأبنائك على الوصول إلى أفضل مما وصلت إليه واترك لهم المجال لرسم أحلامهم بأنفسهم و تحقيقها بطموحهم

وإن لم يكن لك أبناء ، فازرع الأمل فيمن حولك من البراعم التي لازالت تتفتح

أما إن كنت لازلت في مقتبل العمر ، فخذ العبرة من هذه القصة وابدأ من الآن في التغيير

و اصرخ في وجه كل ما يعيقك عن التقدم

اصرخ في وجه إهدار الأوقات أمام الشاشات بلا هدف محدد

اصرخ في وجه أصحاب السوء الذين يجرونك للوراء

و لتكن هذه صرخة ميلادك من جديد